01 فبراير 2010

ملكية مغربية فيدرالية لتسوية المسألة الصحراوية

  *زكي مبارك   

المغرب، من ملك إلى آخر في عهد الملك الثائر محمد الخامس الذي تحالف مع الحركة الوطنية وساند مطالب الشعب المغربي فيما أدى بالسلطات الإستعمارية إلى نفيه، اندلعت ثورة الملك والشعب فحققت عودة الملك المنفي إلى عروشه واستقلال المغرب، وهما مطلبان أساسيان تمحورت حولهما معركة التحرر الوطني . في عهد الحسن الثاني تميز حكمه بإقرار ملكية دستورية وسائدة، وباسترجاع الأقاليم الصحراوية إلى حظيرة الوطن، وبإقرار التناوب التوافقي، واعتماد مفهوم المواطنة للتحديث والإصلاح . لقد اختار الملك محمد السادس ذكرى 20 غشت 2003، ذكرى ثورة الملك والشعب ليجعل منها وقفة تاريخية لتقييم الأشواط التي قطعها المغرب في كل المجالات خلال نصف قرن، ولهذه الغاية، دعا أزيد من مائة من الباحثين الجامعيين، والخبراء والأطر الإدارية وفعاليات المجتمع المدني من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية إلى إجراء نقاش عميق وواسع تناول كل الجوانب ذات الصلة بالتنمية البشرية بمفهومها الواسع وبكل أبعادها، أسفرت هذه النقاشات والحوارات على إعداد تقرير توخى أن يكون مساهمة مواطنة، يحركها في الآن ذاته، الباعث الوطني والحرص على الإلتزام بمقتضيات الموضوعية، ونشر هذا التقرير تحت عنوان 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق سنة 2025 كان من المنتظر أن يعلن الملك محمد السادس بعد صدور هذا التقرير الذي حظي بعناية فائقة من مختلف وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، عن انطلاق ثورة بإردة من أعلى، يلتحم فيها الملك والشعب من جديد لخوض معركة التغيير والإصلاح على أساس ما ورد في هذا التقرير من تحليلات وإقتراحات وتوصيات لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه مغرب اليوم، وفي طليعتها المسألة الصحراوية والإصلاحات الدستورية، وهما قضيتان مطروحتان، وبكل حدة وقوة، في الساحة السياسية لمغرب الحاضر . لماذا مملكة مغربية فيدرالية؟ في تقرير «50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق سنة 2025» ورد في الفصل الذي يحمل عنوان « المغرب المأمول والممكن التحقيق» ما يأتي: - مغرب لا مركزي تسهم فيه مختلف المكونات، بطريقة متوازنة من أجل الإرتقاء المطرد بالتنمية البشرية، وذلك بتثمين تنوعها وإمكاناتها المادية . - مغرب لا مركزي يتألف من جهات تحظى بسلطات واسعة في الميادين الإقتصادية والثقافية والإجتماعية . - مغرب تدار فيه المدن بطريقة عقلانية، تجعلها مؤهلة اقتصاديا وقابلة للإندماج إجتماعيا ومتألقة ثقافيا . - مغرب المسؤولية: مسؤولية مواطنين يتحكمون في مسار حياتهم و يوظفون الإمكانات المتاحة لهم، بحس مشبع بالمواطنة والتضامن والتماسك الوطني . - إن هذه التوصيات أو المقترحات أو المطالب تتجاوز في نظرنا، وبكثير، الحكم الجهوي أو الحكم الذاتي سواء تعلق الأمر بالأقاليم الصحرواية أو باقي الجهات المغربية، بينما نرى تحقيقها بصفة عملية وفعالة في نطاق حكم فدرالي في ظل مملكة مغربية فيدرالية، مملكة دستورية ديمقراطية تمارس السيادة الوطنية العليا وتجسمها، تسود وتراقب وتوجه لتبقى فوق المشاكل والحساسيات، وحكما فوق الجميع، ورمزا للسيادة والوحدة الوطنية . دستور المملكة المغربية الفيدرالية والمسألة الصحرواية - إن الحكم الجهوي أو الحكم الذاتي أو الحكم الفيدرالي يستوجب إقراره دستور جديد، وبما أن الإصلاحات الدستورية تعد من المطالب الأكيدة التي تطرحها عدة منظمات سياسية وجمعيات المجتمع المدني كمقدمات أساسية لكل تغيير حقيقي وجوهري يؤدي حقا وفعلا إلى إصلاح البلاد وتدارك انحرافاتها ووضع قضاياها الكبرى على طاولة المعالجة وفي طليعتها قضية أقاليمنا الصحراوية المسترجعة، فإن تسوية هذه القضية الوطنية يمكن معالجتها في إطار دستور المملكة المغربية الفيدرالية الذي بموجبه وحسب مقتضياته ، ويتم تقسيم المملكة إلى فيدراليات ومن بينها طبعا، فيدرالية الأقاليم الصحرواية وعاصمتها العيون، مع حكومة محلية، وبرلمان محلي، على غرار ما هو جاري به العمل في الدول الفيدرالية . ونظرا لأهمية الدستور الجديد للمملكة المغربية الفيدرالية وما سيحدثه من تحولات في مغرب اليوم والغد، فإن إعداده وصياغته تقتضي: - تكوين مجلس وطني لإعداد الدستور ويتم اختيار أعضائه من طرف جلالة الملك و يباشر مهامه تحت إشرافه وتوجيهاته . - يلتزم المجلس بإعداد مشروع الدستور في أجل أقصاه ثلاثة أشهر قابلة لتمديد شهرين فقط عند الضرورة . - يتم تقديم المشروع بعد صياغته النهائية إلى جلالة الملك . - يعرض نص الدستور الجديد على الإستفتاء الشعبي للموافقة أو عدم الموافقة . وفي هذا السياق يشارك المواطنون في الأقاليم الصحراوية المسترجعة أو الخاضعة لجبهة البوليساريو في هذا الاستفتاء على الدستور الجديد والذي في حالة المصادقة عليه من طرف أغلبية الشعب المغربي، يحول المملكة المغربية إلى مملكة مغربية فيدرالية وفي ظلها تتمتع فيدرالية الأقاليم الصحرواية بحكم فيدرالي وبمؤسسات سياسية أهمها : حكومة محلية وبرلمان محلي، إن هذا الحل سيحقق للمواطن الصحراوي وضعا مستقرا يلبي إلى حد ما مطالب الأطراف الجهوية والدونية المتشبتة بمبدأ حق تقرير المصير الذي هو شعار نبيل ولكن تحمله في بعض الأحيان أيد قذرة، كما أن هذا الحل يخضع لقاعدة لا غالب ولا مغلوب، ولا إلحاق، ولا انفصال، بل وضعية تسمح للمواطنين الصحراويين المتواجدين في الأقاليم الصحراوية الممزقين إجتماعيا والمشتتين أسريا من إسترجاع وحدتهم الإجتماعية و تدبير شؤونهم اليومية في ظل حكم فيدرالي وحسب مقتضيات دستور المملكة المغربية الفيدرالية . خلاصة: إن هذا المقترح يقتضي في نظرنا الإعلان من طرف جلالة الملك على ثورة هادئة من أعلى تنقل، المؤسسة الملكية من مرحلة إلى أخرى، مرحلة "المملكة المغربية الفيدرالية» الذي سيتميز بها عهد محمد السادس، هذه النقلة النوعية التاريخية والسياسية تتطلب الجرأة والحكمة . . .جرأة الشباب وتطلعاتهم، وحكمة العقلاء ورزانتهم .

* زكي مبارك باحث ومؤرخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق